تبرعت وردة غريميل (45 عاما) ولها أربعة أطفال من ولاية مدنين بشريان حي من قلبها لابنها الذي لم يتجاوز عمره التسع سنوات لانقاذه من انسداد شريان في القلب يعاني منه منذ ولادته.
و وفق مانشره موقع الجزيرة لم تترك وردة وزوجها محسن بابا إلا وطرقاه بحثا عن حل لمرض ابنهما الذي لم يستطع الأطباء المحليون في منطقتهم تشخيصه، ولم يتفطنوا حتى لوجود خلل في القلب.
فالمرض نادر جدا، وتقول وردة “كنت أرى ابني يذبل أمام عيني وليس بيدي حيلة لإنقاذه فأكتفي بالبكاء والدعاء بعد أن زرت جميع الأطباء تقريبا وكل مرة أعود خائبة”.
المرض هو تشوه وعائي بالشريان الأبهر الباطني للطفل مما سبب له انسدادا في الشرايين التي تغذي الأمعاء والكلى وأطرافه السفلى، وقد عانى من ضغط دموي حاد وفشل كلوي ومن مشاكل في المشي.
وبعد أن يئست وردة من حلول في منطقتها والمناطق المجاورة قطعت مسافة لا تقل عن 500 كلم إلى تونس العاصمة صحبة طفلها آملة في وجود حل ينقذ حياته، فتوجهت إلى مستشفى الرابطة العمومي حيث أقامت فيه 15 يوما مع ابنها تنتظر نتائج صور الأشعة والتحاليل الطبية التي قيل لها إنها أرسلت إلى خارج البلاد.
لم تمل الانتظار الذي دام لأشهر فـ “الغريق يتشبث بقشة” حسب قولها، وحياة ابنها مهددة كل لحظة وليس هناك أصعب من أن ترى أم وليدها يتألم أمام عينيها وهي مكتوفة الأيدي وعاجزة عن فعل شيء من شأنه أن يخفف عنه ألمه أو ينقذه من براثن مرض يهدد حياته.
بعد انتظار طويل ورحلات أطول كانت تقطعها وردة بين محل سكناها في أقصى الجنوب ومستشفيات العاصمة حاملة معها ابنا مريضا يتنفس بصعوبة وأملا لم تفقده يوما رغم السبل المقطوعة أمامها والوقت الضيق الذي يداهمها ورؤية طفلها ينحف يوما بعد يوم، وقد أعلمها الفريق الطبي بمستشفى الرابطة أن الحل الوحيد هو زرع شريان اصطناعي بالمستشفى العسكري.
وافقت وردة على الحل المؤقت على مضض فقد اختارت أقل الوجعين ضررا فهي تموت ألف مرة في اليوم عند رؤية ابنها يتألم، فهرعت ووالده إلى جمع مصاريف العملية والتي قالت إنها وجدت تفاعلا كبيرا من التونسيين، مضيفة وعلامات الرضا على محياها “أنا ممتنة لكل من وقف إلى جانبي في محنتي حتى بكلمة طيبة”.
اتجهت وردة وزوجها وطفلهما إلى المستشفى العسكري الذي يعد آخر محطة للرحلات الشاقة التي قطعوها وهو الأمل الوحيد ليكمل معهما محمد رحلة الحياة، إلا أن مشكلة بقيت قائمة وهي أن الطفل بصدد النمو وحالته لا تتماشى مع عملية غرس شريان اصطناعي نظرا لصغر سنه.
اقترح الدكتور جمال الدين المانع رئيس قسم جراحة الأوعية الدموية وزرع الأعضاء بالمستشفى العسكري زرع شريان طبيعي بدل الاصطناعي، وهي العملية الأولى في العالم، وقال المانع إن المتبرع يجب أن يكون أحد الوالدين، وسيزرع الشريان الاصطناعي للمتبرع.
لم تتردد الأم في الموافقة على إعطاء ابنها جزءا من قلبها غير آبهة بالخطر الكبير الذي يمكن أن تتعرض له رغم علمها بأن العملية غير مسبوقة.
وتعد عملية الزرع الأولى من نوعها في تونس والعالم، وهي إنجاز طبي هام أشرف عليه فريق طبي من سبعة أطباء بالمستشفى العسكري.
رضيت وردة أن تكمل حياتها بشريان اصطناعي وأهدت شريانها إلى ابنها راضية وفرحة بقدرتها أخيرا على إنقاذ حياته وتخفيف معاناته.
تقول والدموع تغمر عينيها “لن أستطيع العيش إن رفضت تقديم شريان لابني الصغير” ولو خيروها بين قلبها وحياته فستختار الآخرة.