كشفت وكالة تونس إفريقيا للأنباء، في تحقيق صحفي، نشرته اليوم الأحد 13 جانفي 2019، عن وجود حالات اتجار بالبشر بمعتمديتي عين دراهم وفرنانة بولاية جندوبة.
وبحسب نفس المصدر، فإن هناك أسواق لبيع الفتيات القاصرات كمعينات منزليات يتحوّلن لمدن بتونس الكبرى للعمل بها.
كما أشارت الوكالة إلى وجود سماسرة مختصون في هذه ”التجارة”، يقومون بالعمل كوسيط بين وليّ الفتاة وبين صاحب المنزل الذي ستعمل به كمعينة منزلية.
ويُجبَر الأولياء على ”بيع” بناتهم بسبب الفقر الذي يعاني منه أهالي المنطقة بحسب وكالة تونس افريقيا للأنباء.
وتحدّثت الوكالة عن الفتاة سلمى (اسم مستعار) التي تم احتجازها لمدة ثلاثة أيام حينما حاولت الهرب من منزل ”سيّدتها”.
كما ذكرت حالات أخرى لفتيات لم يتجاوز أعمارهنّ الـ15 سنة، يتحوّلن، مكرهات، للعمل بمنازل بالعاصمة ويتعرّضن لمعاملات قاسية.
التحقيق كاملا كما نشرته الوكالة:
في معتمديتي فرنانة وعين دراهم من ولاية جندوبة (180 كلم عن العاصمة )، مسارب وأسواق لبيع المعينات المنزليات، بنات في زهرة العمر جثم الفقر على صدورهن، وأعياهن الجوع والعيش في الأكواخ، يبعن كما تباع الحيوانات، وينقلن كما تُنقل العرائس في سيارات فخمة وينتهين قي فيلات وقصور لخدمة أهلها.
سلمى، ذات الست سنوات، وقعت في فخ شبكة الاتجار بالأطفال، هي من منطقة قلوب الثيران التابعة لمعتمدية فرنانة، لا تحمل في ذاكرتها سوى أن السمسار استلمها من والدتها قبل أن يدفع لها مائة دينار مقابل أن تشتغل كمعينة منزلية في إحدى البيوت بمدينة أريانة. ولم تعلم أن سلسلة من العنف الجسدي تنتظرها، مما اضطرها لمحاولة الفرار مرّات عدة.
انتهت محاولتها الأولى للهروب بحجزها لمدة ثلاثة أيام في غرفة مغلقة. أما المرة الثانية، فقد استغلت سلمى إحدى المناسبات عندما رافقت سيدتها في زيارة لإحدى الأقارب، فقفزت من الطابق الثاني مستغلة وجود أكداس من الرمال، لكنها لم تنجو من القبض عليها وإعادتها إلى سيدتها. الحادثة أخافت هذه الأخيرة، خاصة وأن هناك من أشعر مندوب الطفولة بالجهة الذي تدخل لإطلاق سبيلها. وهكذا تمكّنت البنت من العودة إلى قريتها.
ذاك هو حال العديد من المعينات المنزليات القاصرات اللاتي لم تنفع التشريعات والقوانين في حمايتهن من دائرة الاتّجار بالأطفال.
من هلال الفقر إلى شوك القصور:
في هلال الفقر الممتد من منطقة الصريا الحدودية إلى منطقة ملولة المطلة على البحر المتوسط، وفي منطقة الحمر من معتمدية فرنانة التي تتوسط ذاك الهلال، كان من المفروض أن تكون اليوم بشيرة ذات الثانية عشرة من عمرها مرسّمة بالسنة الثامنة أساسي، لولا اضطرار عائلتها الفقيرة لإرسالها للعمل كمعينة منزلية في إحدى البيوت بتونس العاصمة، وإجبارها على الانقطاع عن المدرسة بعد أن أكملت الصفّ السادس. وكان لابد من تدخل مكتب مندوب حماية الطفولة بجندوبة، لإنقاذها وإعادتها من جديد إلى المدرسة.
لم يكن الجميع محظوظا كبشيرة، فماجدة التي تبلغ اليوم من العمر 36 سنة لم تجد من ينقذها عندما قرّر والدها إرسالها، وهي طفلة، لتشتغل كمعينة منزلية. ماجدة أصيلة منطقة أولاد هلال من معتمدية عين دراهم، التحقت بتونس العاصمة منذ التاسعة من عمرها وعملت كمعينة منزلية إلى حدود سنة 2012 قبل أن تسقط في شباك أحد رؤوس شبكة الاتجار بالفتيات (ع.ع ) جنسيته ليبية يعمل صحبة زوجته في مسارب تجارة الفتيات. يصطادهن عبر شبكة العلاقات مع العائلات المشغلة، ويقدم لهن إغراءات يصعب رفضها، فبعد أن كان راتبها لا يتجاوز مائتي دينار وجدت نفسها أمام راتب أضعاف ذلك مقدر بأكثر من ثماني مائة دينار.
قبلت أن تصبح خادمة في إحدى العائلات الليبية في طرابلس دون أن تعلم أن (ع.ع) قد نصب لها كمينا يسعى من خلاله أن يستدرج فتيات أخريات ولكن ليس بنية العمل كمعينات بل لتسفيرهن لبؤر التوتر.
تستعيد محدثتنا شريط الأحداث بحسرة بعد سنتين من عودتها، بسبب تعرضها لحادث أليم أقعدها وأنهى قدرتها على العمل. في ليبيا، تفاجأت بأنها خضعت لعملية تسفير بنيّة الاتجار بجسدها. عاشت حالات قاسية ومهينة، انطلقت باستغلال أحد أفراد العائلة لها جنسيا لتتطوّر الأمور بعد مدة كي تصبح زوجة لأكثر من شخص. بعد انتقالها إلى عائلة أخرى سُلمت لها، كانت النساء هذه المرة هن اللواتي يتحرشن بها. “هربت من القطرة جيت تحت الميزاب”، تقول ماجدة باكية.
حال ماجدة ليس أفضل من حال زهرة البالغة اليوم من العمر 22 سنة، فهي لازالت تعمل كمعينة منزلية وجدناها في المستشفى الجهوي بجندوبة ترافق والدها المريض.
تنبش في ذاكرتها لتستحضر ذلك اليوم الصيفي الذي قدم فيه سمسار إلى منطقة شرشارة من معتمدية فرنانة إلى كوخهم ليعرض على والدها فرصة تشغيلها لدى إحدى العائلات بتونس العاصمة. لم تطل المفاوضات كثيرا، قبل أن يأمرها أبوها بضرورة جمع أغراضها في كيس بلاستيكي وا