لم تتوقَّف إحدى الطبيبات في مجال علم النفس عن الإصرار على كون العيش عازبًا أفضل بكثير من الارتباط، بل تعدَّت ذلك بالتَّصريح بأن فكرة الزواج من أجل العيش في راحة ورغد كذبة كبيرة لا تمتُّ للواقع بصلةٍ، حيث أوضحت أن العزوبية تعني الحياة الكريمة والمميزة.
وقد أثارت هذه التَّصريحات كثيرًا من الاستغراب، خاصَّةً أنها جاءت على لسان امرأة، وليس رجلًا، وهذا غير مألوف عن الجنس اللطيف.
الأقوال السابقة للحُكماء في الزواج:
هذه الطبيبة النفسية التي أثارت الجدل وسط المختصين في علم النفس هي الدكتورة “بيلا ديباولو” أستاذة مُحاضرة في جامعة كاليفورنيا بأمريكا، وقد قدَّمت تصريحها في مدينة “دنفر” بمُناسبة انعقاد المؤتمر السنوي لجمعية علم النفس الأمريكية، وأكدت الطبيبة أنها قامت بمُراجعة عديدٍ من الدراسات الأكاديمية المتنوعة التي يفوق عددها ثمانمئة دراسة أجريت خلال الثلاثين سنة الأخيرة، والتي تخصُّ الأفراد العازبين، وقد توصَّلت إلى مُغالطة الأقوال السَّابقة للحُكماء الذين يؤكدون أن الزواج يُطيل حياة الشخص ويمنحه السَّعادة والصِّحَّة، وصرَّحت بأنها تتحدَّى هذا القول.
وأعطت الأستاذة بيلا لمُتابعيها مثالًا في هذا الموضوع، حيث أخبرتهم أن الأبحاث المُختصَّة بعمل مُقارنة بين الأشخاص الذين لم يتزوَّجوا والأشخاص الذين تزوَّجوا قد أظهرت أن الأفراد العازبين يملكون ذلك الشعور العالي الذي يخصُّ حريتهم في تقرير مصيرهم، وبذلك شعورهم بأنهم يكبرون كأشخاص مُتكاملين.
بالإضافة إلى هذا، أشارت الطبيبة إلى وجود أبحاث مُختلفة أخرى قد أظهرت أيضًا أن الأشخاص العازبين أكثر تقديرًا للأعمال الهادفة من الأشخاص المُتزوِّجين، وأضافت بيلا، أنه تُوجد دراسات أخرى أثبتت اكتفاء الأشخاص العازبين ذاتيًّا، وقالت إن هذا الاكتفاء الذاتي أبعد عنهم كل المشاعر السيئة أو السلبية، في حين أظهرت نفس الدراسات حدوث العكس عند الأشخاص المُتزوِّجين.
وقد ذكرت الطبيبة النفسية في تصريحها مثالًا عن سكان المملكة البريطانية، حيث قالت إن هناك فئة مُعتبرة من البريطانيين مع فكرة بقاء الشخص أعزبَ، وقد عرفت البلاد زيادة تدريجية في عدد العازبين مُقارنة بعدد المُتزوِّجيين، فحسب إحصائيات2015 والتي صرَّح بها المكتب الوطني للإحصاء: 23.7 مليون متزوج، و16.2 مليون عازب، بعد أن كانت الإحصائيات في عام 2002: 23 مليون متزوج، و12.5 مليون عازب.
العزوبية الدائمة:
أشارت الطبيبة ديباولو في تصريحاتها بخصوص سبب ارتفاع عدد الأشخاص العازبين مؤخرًا إلى وجود عدَّة أسباب أبرزها رغبة الشخص في البقاء عازبًا، حيث إنه يعلم أن العزوبية ستُوفِّر له حياة هادئة وأفضل من الحياة المشتركة حسب رأيها.
كما ذهبت ديباولو بعيدًا في وصفها للعزوبية، حيث قالت إن هذه الأخيرة هي البقاء على ارتباط دائم وبشكل أكبر بالوالدين، والإخوة والأخوات، والأصدقاء، وباقي الأشخاص المُحيطين بالشخص العازب، وذلك على عكس الشخص المتزوج الذي يُصبح ارتباطه بالأشخاص السابقين أقل.
وأوضحت ديباولو من خلال تصريحاتها الأخيرة أن تركيز الآخرين وانشغالهم بمشاكل العيش مع العزوبية، جعلهم يغفلون عن الإيجابيات والفوائد كثيرة للعُزلة، فحسب علم النفس: تركيز الشخص على نقطة محددة يجعله لا يبصر ما يحيط بها من أشياء قد تكون أهم منها.
وقد أضافت الأستاذة أنه يجب وضع مفهوم دقيق لحياة العازبين، وتوضيح إيجابياتها وتسليط الضوء أكثر على المميزات التي يملكها العازبون، حيث أشارت إلى الدعم الكبير الذي يتلقاه الأفراد المُتزوِّجون، وذلك عبر تنظيم حفلات زواج ضخمة لا فائدة منها، حسب رأيها، في حين لا يتم دعم العازبين بأي شكل من الأشكال.
ولم تُخفِ الدكتورة ديباولو استياءها إزاء نظرة المجتمع للشخص العازب ونوهت لما يُعانيه هذا الأخيرُ من تمييز في أغلب المجالات ومن تهميشه اجتماعيًّا وحرمانه من التمتع بالعيش بحرية، وذلك بسبب إيمان الغالبية بالمقولة السائدة التي تقول إن الزواج يعني العيش بسعادة أكبر، وصحة أكبر، وأكدت أن هذه المقولة لا تلقى التأييد من قبل جميع الدراسات، حيث يوجد عديد منها تنفي هذه المقولة.
وتختم ديباولو كلامها في هذا الشأن بأن كثيرًا من الأشخاص المُتزوِّجين وبحُكم عيشهم التجربتين: تجربة العزوبية، وتجربة الزواج، يفهمون جيدًا أن المقولة السائدة غير صحيحة لأنهم تيقَّنوا ورأوا أنهم كانوا قبل الزواج يعيشون بأفضل حال، في حين أنهم يُعانون حاليًا كثيرًا من الضغوط والمشاكل، وحياتهم أصبحت مقيدة بحل مشاكل نجمت عن رابطة الزواج.
لا يُمكننا إلغاء إيجابيات الزواج أيضًا:
صحيح أن الطبيبة ديباولو قد طرحت عديدًا من الدراسات التي تدعم فكرتها، ومع هذا يجب أن لا نتغاضى عن العدد الكبير أيضًا للدراسات التي أثبتت الإيجابيات والفوائد الكثي