نشر النائب ياسين العياري على صفحته الفايسيوك تدوينة اكد من خلالها انه ضد تطبيق حكم الاعدام في تونس بعد التجربة التي مرّ بها في السجن سنة 2014
واثارت التدوينة غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذيم اكدو ان تدوينة النائب غير مقنعة ويجب تطبيق حكم الاعدام على المجرمين الخارجين على القانون
وفي ما يلي نص تدوينة العياري :
“
كيف تحولت، من مساند لعقوبة الإعدام، إلى رافض لها؟
دخلت السجن في 2014.
تجربة السجن، كانت تجربة على قصرها، مهمة جدا في حياتي، تمكنت من خلالها من الإحتكاك بنظام عدالة البشر.
فهمت، فهمت أنه من الجنون و السفاهة إعطاء البشر حق قتل بشر آخر، شفت، شفت الظلم و التلفيق و التزوير و المحامي الي يغلط و كاتب المحكمة الي يحكم و باحث البداية الي يتسرع و الدوسي الي يضيع و الشهود الي تنسى .. جبال من الظلم!
حصلت لي خلال التجربة، قناعة، قناعة عميقة أن البشر يخطأ و يظلم و يغلط و إعطاء هذا البشر الحق في أخذ روح بشر آخر، حتى و إن قد تكون ربما روحا خبيثة، قد يكون كقتل الناس جميعا : قد يساويني بالقاتل بدون حق، فالحق مادام بيد البشر، يبقى دائما نسبي.
لكل هذا، لا يمكن أن يكون حكم الإعدام حين يقرره و ينفذه بشر عادلا.
الروح مقدسة و أخذها أمر جلل، فلنتخيل أن هناك شك 1/1000000000 أن يعدم شخص خطأ، من يحسب أنه كمن قتل الناس جميعا؟ المشرع؟ القاضي؟ النظام القضائي؟ الدولة؟ أم حتى الناس المنادون بالإعدام؟
مسؤولية كبرى! لا أرغب في تحملها أمام رب العالمين.
ثم، الحضارة الإنسانية قائمة على معاملة المجرمين خير مما عاملوا به ضحاياهم! محاربة الإرهاب لاتعني أن نصبح إرهابيين! محاربة السرقة لا تعني أن نصبح لصوصا! محاربة القتل لا تعني أن نصير قتلة!
إذا نزعنا إذا عن الإعدام العدل و الحضارة، ماذا بقي؟ الردع؟
بعض الولايات في أمريكا، مصر، إيران مثلا تطبق العقوبة.
هل فيها نسب جريمة عنيفة أقل؟ لا!
فقط تعطي لحظات نشوى سريعة لشعوب عنيفة تمارس العنف في مجرم عبر الدولة، لكن، لا تردع.
الأرقام تكذب أي علاقة بين تنفيذ العقوبة و إنخفاض نسب الجريمة.
ياخي تعرف أكثر من ربي إلي قال القصاص؟
هل قرأت ما قال الله؟
“وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ”
المشكل هنا في “الحق”، البشر غلط و يغلط، و عدم قتل 10000 مذنب خير من قتل بريء واحد.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ”
يعني القصاص ليس آلي! هناك إمكانية للعفو.
باهي هذه إمكانية و كي ما نعفيش؟
“وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ”
ربي سبحانه يقلك العفو خير، تعرف خير من ربي؟
ثم، مادمنا نتحدث عن الجريمة،
هناك من ربط جرائم العنف ضد المرأة، الإغتصاب، بالثورة! بالحضارة العربية الإسلامية! بالتشريعات! بالكبت الجنسي!
رقم آخر يكذب مثل هذا الربط السريع السطحي!
فرنسا مثلا، الي ثورتها منذ قرنين، حضارتها ليست عربية إسلامية، عندهم كل الحريات الجنسية، فيها سنويا أكثر من 90 ألف حالة إغتصاب/إعتداء على نساء، كل عام!
يا سيدي للمؤمنين بالديانات السموية، ألم يقتل قابيل هابيل، وقتها لا ثمة مسلسلات سامي الفهري و لا الثورة و لا ألعاب الفيديو (يحاول البعض ربطها بالعنف) لا حرابش لا مخدرات
المؤمنون بالميتولوجيا، ألم يقتل ريموس رومولوس؟
الإنسان، البشر، كائن تتنازعه قوى الخير و الشر منذ خلقه، النفس اللوامة و النفس الأمارة بالسوء، ينتصر مرة و يهزم مرات، الرغبة في الفكان، في الظلم، في الجريمة، موجودة فينا لكلنا.
هذا كأفراد، كمجتمعات أيضا! يمكن لمجتمعات أن تعزز هذه الرغبة أو أن تقلل منها!
هناك روابط إحصائية بين مستوى التعليم و إنخفاض نسب الجريمة، إحترام الحقوق و الحريات و خاصة منها الإقتصادية و إنخفاض نسب الجريمة، إحترام المواطنين و إنخفاض نسبة الجريمة، نسب نفاذ القانون على الجميع و إنخفاض نسب الجريمة.
موش معناها كيف تبدأ لاباس عليك، محترم في بلادك و قانونها يتنفذ على الجميع، قاري برشة، ما تجرمش! نتحدث عن النسب!
في تونس؟ عندنا 100 ألف منقطع مبكر عن الدراسة، كل عام!
ريقنا شاح و نحن نتكلم عن الموضوع في كل منبر!
وين يمشيو هاذوكم؟ إش يوليو؟
مجتمعنا أيضا مجتمع عنيف! تنجم تراه من لغتنا العنيفة لتصرفاتنا العنيفة.
علماء الإجتماع يفسروا عنف الشعوب بالعنف المسلط عليها.
عشنا 75 عام عنف إستعماري
60 عام عنف الدولة
10 سنوات عنفنا ضد بعضنا
أما آن الأوان أن ينخفض هذا المنسوب؟
ثم، في بلدان أخرى، فيها نسب جريمة أقل منا، عندهم الي ما عناش : العازل الإجتماعي!
في بلدان أخرى، المجرم، يعزله الناس إجتماعيا، ما يدوروش بيه، يخليو الجريمة عار، سبة، تتخبى و هذا سلاح قاتل للجريمة : الإنسان مدني بطبعه، لا يرغب في أن يكون منبوذا.
في تونس؟ السارق مادام عنده فلوس و الناس الكل تعرفه سارق، يلحسوله، تدور بيه العباد، تبررله حتى سرقاته 🙂
ألمانيا؟ قد تكون نجما، محبوبا جدا، كوارجي و هاز كاس العالم و بطل قومي : تتهرب من الضرائب، لا تجد ألماني واحد يدافع عليك! بالعكس يعزلونك عزلا!
لماذا هذا السلاح الفتاك، مفقود في بلدنا؟
هذا يجيب عليه علماء الإجتماع.
جانب ذاتي شخصي غير نظرتي و مقاربتي للنظام الجزائي : أعتقد أني لست شخصا سيئا، لكن عملت برشة برشة أغلاط و حاجات خايبة في حياتي، ربما أكثر منكم جميعا (لا قتل لا إغتصاب ما تمشيش مخاخكم لبعيد 🙂 ) و لولا ستر ربي أولا و ناس أعطاتني فرصة ثانية ربما لضعت و لأصبحت شخصا سيئا جدا.
أعتقد أن الحق في الفرصة الثانية، في المراجعة، في التعلم، يستحقها البشر، قد تجعل منه شخصا أفضل، هذا نجح معي، من أنا لأحرم منها شخصا آخر؟ هذا لا يتعارض مع العازل الإجتماعي راهو!
” وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا”
وصل هذا الستاتو مستوى من الطول، الطول الذي يجعل كثيرون لا يقرؤونه، هي حيلة أستعملها حين لا أريد أن يقرأ ما أكتب، حين يكون المكتوب رأيا عكس التيار.
لكن، ما أسهل السياسة حين تسربي الناس ما يريدون، أن تغازل عواطفهم الهائجة! أنت لست سياسي وقتها، أنت فقط “نادل” مواقف كسول : نعطيكم إش تحبوا!
في حين واجب و مهمة السياسي هي الوقوف وجه التيار، ضد تيار العواطف.
أختم بكلمتين :
– راك ما تنجمش تطالب بإعدام شخص لأنه قاتل و تطالب في نفس الوقت بالسماح و الصفح و عودة دولة، نظام، أشخاص إغتصبت و قتلت و عذبت مئات! مهما كان موقفك، باش يتسمع، لابد من التتاسق فيه.
– أعطي أي دولة حق أخذ الأرواح في جرائم “الحق العام” و أضمن أن لا تأخذ أرواح معارضيها.
– محاربة الجريمة، جزء منه فقط القبض على الجناة، مادمنا نرى فقط هذا الجزء، فالمقاربة منقوصة، و المقاربات المنقوصة لا تعطي نتائج.
– رحم الله رحمة و طيب ثراها، المكتوب كله لا يتحدث عنها و عن قاتلها، يتحدث بتجرد، في العموم، بعقل بارد حتى لا تهيج العاطفة، فأنا بشر ضعيف و حين تهيج العاطفة، تعمى البصيرة.
شكرا لمن كلف نفسه عناء السؤال، في الحجر الصحي الصارم منذ عودتي من الخارج، اليوم إن شاء الله أقوم بالإختبار، لو يطلع سلبي أعود إلى حياتي العادية، قمت بإستغلال هذه الأيام لراحة و عزلة تامة عن العالم و الفايسبوك و الأخبار، إستراحة محارب قبل بداية السنة النيابية الجديدة، سمعت قصة رحمة و المطالبة بالإعدام من العائلة.
نهاركم طيب و إن تريدون النسخة القصيرة من كل المكتوب : نعم، أنا ضد تطبيق الإعدام.”